ضرار بالهول الفلاسي
في اليوم الوطني الخامس والأربعين، يقف «الإماراتي» شاهداً على أهم ما أنجزه هذا الوطن ألا وهو بناء الإنسان، الذي يسبق بناء العمران، والثروات، والمصانع وما إلى ذلك، لأن الإنسان معدنُ الوطن وأثمن ما فيه، ومستقبله الذي يبني على ماضيه. ولعل الآباء المؤسسين كانوا أول من يدرك ذلك وهم يخصصون في دستورنا الأجمل فصلا مطولا عن حقوق الإماراتي وواجباته.
أقول: «الإماراتي» وليس فقط «المواطن» لأن فكرة المواطَنة تتجاوز وثيقة الجنسية والقيد العائلي إلى اعتناق الوطن – الدولة، وإلى الجاهزية القصوى للخدمة والتضحية، وإلى تقديم المصلحة العليا للوطن على أي مصلحة أدنى، وكل ذلك لأن «دولة الإمارات» يجب أن تسمو في النفوس والعقول، وفي الفكر والسلوك، على أية فكرة أدنى منها أو تبعدنا عنها.
واليوم الوطني هو التجسيد العملي لأهم قيمة ناظمة لشخصيتنا الوطنية ألا وهي قيمة الاتحاد، نعم نتحدث عن الاتحاد كقيمة وطنية ليس من باب المبالغة وإنما من باب التذكير بوجوب أن تكون روح الحفاظ على هذا الاتحاد جزءاً طبيعياً من سلوكنا وتفكيرنا ومن المنظومة المشكلة لشخصيتنا وهويتنا، فلا يصح بعدئذ أن يقال «إماراتي» عمن لا يحافظ على هذا الاتحاد.
وحتى لا يشطّ بنا البعض بعيداً عن فهمنا لفكرة الاتحاد، نذكّر هنا أن الاتحاد، كقيمة إماراتية خالصة، لا يتناقض أبداً، وإنما ينسجم انسجاماً تاماً مع ديننا الحنيف وكذلك مع مروءتنا العروبية، لكن ما ينبغي علينا أن نضيفه لفهمنا لقيمة الاتحاد هو واقع أن الاتحاد نمط مختلف من المواطَنة، بل هو نمطٌ متقدمٌ يتطلب منك يا «الإماراتي» أن تبذل جهداً وتقوم بواجبات لكي تنال شرف أن تكون «إماراتياً اتحادياً».
هل تذكرتم الآن لماذا تركز قيادتنا الحكيمة على مفاهيم تأسيسية مثل «المركز الأول» و«التميز» و«الابتكار» و«القراءة»؟ الآن اربطوها في أذهانكم بمعنى اليوم الوطني ومعنى أن تكون إماراتياً لكي تدركوا عظمة الفكرة وأهميتها في تعزيز الاستقلال وترسيخ الاتحاد وصون المنعة الوطنية. ثم اربطوها في أذهانكم بعد ذلك بكل الإنجازات المادية والحضارية والفكرية والدستورية والسياسية والاقتصادية التي لم تكن لتحقق لولا أن منَّ الله تعالى علينا بنعمة الاتحاد، وعندها ستدركون دون أدنى شك أن احتفال «الإماراتي» باليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة لا ينطلق من الشكليات والرسميات وإنما ينبع عميقاً من احتفاء القلب والفؤاد بيوم تأسيس الاتحاد باعتباره نقلة نوعية في علاقة أبناء الدولة بدولتهم الأنموذج. واليوم في عيد الاتحاد الخامس والأربعين، ها هو «الإماراتي» يجدد ميثاق الدم والمجد والفداء والتضحية مع «دولة الإمارات»، ولكل من يخفق قلبه وعقله وضميره ووعيه استعداداً والتزاماً بهذا العهد والميثاق نقول: ربح البيع يا الإماراتي، ربح البيع يا الاتحادي!
وبين نبض القلوب وخفق الرايات، تهتف الربوع والنجوع والسهول والبوادي، مع شاعرة الوطن غياهيب:
أبشرّك يا وطن شعبك على ما تمنّا
العمر ماله ثمن لكن يفدا وطنّا
على صحاح البدن والعز بسيوف أهلنا
على مرور الزمن عدونا ما محنّا
للفخر سر وعلن له نجتهد ونتعنا
أرواحنا له رهن منا خليفه وعنّا
من دون شكٍ وظن شعبه بحبه تهنّا
البيان