عبدالله الشويخ
يظهر الرقم على شاشة جوالك لمرات عدة أثناء الاجتماع، المشكلة حين يبدو الرقم مألوفاً ولكنك لا تتذكر من هو صاحبه تماماً، حالة من القلق! أنت تعلم ما العنصر النفسي المشترك بين الصحافي وضحايا صندوق باندورا والقطط، تلك الخصلة السخيفة التي لا يمكن الفكاك منها تضطرك للاستئذان من المجتمعين والرد على الاتصال في زاوية القاعة.. صوت ذكوري يحاول صاحبه أن يستخف دمه باستخدام أقدم دعابة منذ أيام غراهام بيل: «ألو ممكن نتعرف»، الصوت ليس غريباً، ولكنك لم تتمكن بشكل ناجح من ربطه مع صورة ذهنية، هناك منطقة ما في مؤخرة رأسك تخبرك بألا تغلق الهاتف في وجهه.. تقع في الشَّرك بين فضول معرفة السخيف والرغبة في إيقاف هذا العبث: «لدي اجتماع مهم».. هناك حتماً بشر خلقوا من طين معجون بأمور أخرى تشبهه في الملمس، ولا تشبهه في الرائحة، يستمر بصوته الرجولي الذي يحاول لوي عنقه ليستأنث: «ليش ما تبا نتعرف.. ههههه»، تستغفر الله العظيم ألا تصبح من المصدقين بنظرية دارون، وتكرر بجدية «أنا في اجتماع ضروري ممكن تتصل في وقت آخر».. هنا يفاجئك «أنا فلان ههههههه».. تلعن فضولك ألف مرة، ذلك الفضول الذي جعلك ترد عليه وتقع في الخطأ نفسه، لِمَ لا تقوم بتخزين أسماء هؤلاء؟! ليس تكريماً لهم ولكن كي لا ترد! تنتبه إلى أن العلاقة بينكما لا تسمح لك بإغلاق الهاتف في وجهه على الرغم من أنه طيح أبوالميانه بالصوت الذي يقلده، ولكن هناك دوماً تلك الحدود الاجتماعية والأخلاقية على مسافة لمس الشاشة.. تخبره للمرة الألف بأنك في وسط اجتماع صاخب فيكرر ببلادة: «هههه بس شو رأيك.. ممكن نتعرف (بالصوت ذاته).. هههه سويتلك، لا!؟».. تمارس أعلى درجات الكارما وأنت تكرر أمراً ما عن أم الاجتماع، فيعتذر بلباقة شديدة واعداً إياك باتصال قريباً وهو يتحسف لأنك تغيرت.. ويختم اتصاله بضحكة من لا يعرف شيئاً عن انخفاض أسعار البترول.
لطيفٌ آخر يتصل بك وأنت عند طبيب الأسنان، لا ترد فيرسل رسالة بأن الموضوع حياة أو موت، ترد عليه وهناك عدد من الآلات في «فيك» لتسمع صوت «فيه» الكريه وهو يسألك: «بتشارك في جمعية قوم خلوف؟».. تخبره بأن الوقت غير مناسب، خصوصاً أن آخر سبع جمعيات كانت تنتهي بهروب أحد المساهمين وفركشتها!.. يصرّ على إكمال الحديث عن كل شيء وبالتفصيل الممل.. وتكتشف بأنه هذه المرة يعرف كل شيء عن انخفاض أسعار البترول، تقول بـ«فيك» المملوء بالدماء واللعاب: «في ما بعد.. في ما بعد»، ولكنه ككل الأشياء الجميلة في حياتنا يرفض إغلاق الهاتف إلا بعد أن «تعطيه كلمة».. تعطيه الكلمة التي يستحقها في سرك.. وتراجع حلفانك بخصوص عدم إغلاق الهاتف في وجه أحدهم.. وتقرر أخيراً أنك ستصوم ثلاثة أيام.. تتذكر قول أهل العلم في أنه لا صيام قبل الكفارة.. تقرر توفير المائة درهم والاستماع!
ألطفهم جميعاً هو ذلك الذي يتصل بك لسؤالك عن زميلتك الجميلة في العمل.. وأنت تردد بارتباك.. «محظورة».. «الأهل عدالي».. «باتصلك بعدين».. ولا يصمت الأحمق إلا بعد أن يسمع صوت «أهلك» وهم يتمتمون: «أنا فهمت كل شيء.. ألا يريد صاحبك الحمار أن يفهم»!
أعزائي أخصائيي الإتيكيت.. أرجوكم.. قليل من التركيز على مصائبنا الإتيكيتية قبل النظر في قضية الرد على طوني من عدمه حين يقول لنا: كل عام وانتوا بخير!
الامارات اليوم