الفجيرة نيوز- (محمود علام) قبل أن تنطلق الدورة الثانية للمهرجان عام 2005انشغلت أذهان المهتمين بعالم المسرح وفنونه ومهرجاناته بتساؤلات عدة حول مستقبل المهرجان الوليد الذي لم يمض على انطلاقته سوى أقل من عامين.
وبقيت التساؤلات وتشعبت حتى لحظة الإعلان عن فعاليات الدورة وسط ترحيب كبير من الأوساط الفنية في الوطن العربي والعالم وعبر اعتراف دولي ناله المهرجان من الهيئة العالمي للمسرح تأكيدا لاستيفاء الشروط الواجبة للدخول تحت مظلة الهيئة ، ومن ثم اختيار الفنان محمد الأفخم مدير المهرجان نائباً لرئيس رابطة الممثل الواحد الدولية، ليكون بذلك هو الصوت العربي الممثل الدول العربية عامة في هذه الرابطة.
وهكذا كانت الدورة الثانية بداية جديدة ورسمية للعالمية التي نالها المهرجان وفسرها رئيسه الكاتب المسرحي محمد سعيد الضنحاني بقوله في حفل الافتتاح:” إن رعاية ودعم صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة للمهرجان أنارا دروب النجاح وكانا بمثابة الحافز والباعث نحو الطموح والكفاح من أجل مستقبل واعد يضمن للفكر الإنساني التنمية والازدهار ليكون المهرجان شامخا متألقا في سماء الثقافة ومحققا التواصل الفكري بين مختلف الأمم والشعوب.
ولاتزال ذاكرة المهرجان تستعيد في كل دورة من دوراته تلك العبارة التي كتبها الزميل الإعلامي حازم سليمان وفيها يقول:” إن جملة هذه المكتسبات التي حققتها دورة المهرجان الأولى تؤكد على نجاح الشرارة الأولى في خلق بقعة ضوء مرشحة للاتساع والامتداد وعلى الأرضية الخصبة المتوفرة الناجمة عن الجهود التي تبذل من قبل المشرفين على المهرجان”
“شجرة الدر” السورية ..أول الحاضرين
شهدت بداية المهرجان في دورته الثانية حضور” شجرة الدر” بفكر تونسي وأداء سوري على خشبة مسرح دباالفجيرة في عرض مونودرامي مقتبس عن نص للمسرحي التونسي عز الدين المدني قامت بإخراجه وتمثيله واخراج وتمثيل الفنانة السورية مها الصالح التي شاركت به من قبل في عدد كبير من المهرجانات المسرحية العربية والعالمية منها مهرجانين مسرحيين في باريس والأردن.
وتميز هذا العرض بمعالجته الفنية لتجربة “شجرة الدر” التي حكمت مصر لفترة من الزمن عاشت فيها تجربة سياسية عاصفة أدت إلى نهايتها المأساوية، لكن تفاصيل العرض حملت ما هو أبعد من الموقف التاريخي للشخصية فقد جاءت يحمل في تفاصيله وأبعاده مليئة بالعديد من الاسقاطات على واقع المرأة وموقعها في المجتمعات الإسلامية.
مشاركة من بنجلاديش
قدمت بنجلاديش عرضا بعنوان ” بينوديني” أدته بجمالية رائعة وفي اتقان الممثلة شيمول يوسف، وهي من أبرز ممثلات المسرح في بنغلاديش، عن نص كتبه سيمون جاكريا وأخرجه ناصر يوسف عن السيرة الذاتية لشخصية ممثلة هندية هي “بينوديني” التي عاشت في القرن التاسع عشر وكانت واحدة من أساطين المسرح في ذلك العصر وراهنت عليه حتى اللحظة الأخيرة من حياتها التي بدأتها جارية في البلاط الملكي.
وتميز هذا العرض بكون الممثلة البنجلاديشية قدمت بكل بساطة وحيوية وهدوء مثير شخصية الفنانة الهندية الراحلة ، متنقلة بين عوالمها منذ الطفولة وحتى النهاية دون لحظة توقف أو إظلام. فكانت أمام الحضور متعددة الظهور في شخصيات عدة عبر مراحل العمر المختلفة فهي الطفلة والشابة، والعاشقة ، والأم والرجل، والراقصة، والمغنية، والعابدة إلى درجة أن المسرح أصبح مساحة ضيقة على شيمول يوسف التي شغلته أو استخدمته، فهي أيضا ممثلة، والخشبة عالمها الذي تتألق فيه، وتدخل مشاهديها من خلاله إلى عوالمها الدرامية على امتداد 14 مشهداً.، لكل مشهد حكايته الخاصة وسياقه الدرامي الخاص .
إطلالة سعودية على نخبة عالمية
منحت الدورة الثانية للنخبة المسرحية العالمية المشاركة في فعالياتها فرصة الاطلاع عن قرب على المسرح السعودي الذي حظي بدوره بإطلالة غير مسبوقة على عوالم التجارب المسرحية القادمة من أرجاء القارات الخمس بما قدمه من عرض مونودرامي بعنوان” يوشك أن ينفجر” الذي كسر العلبة الإيطالية من لحظته الأولى، واختلق لنفسه مساحة عرض وفضاء مسرحي خاصين به، داخل الخيمة المجاورة لقاعة المسرح في عرض جعل الجمهور شريكاً عضوياً في العمل، وأداة من أدواته الفنية التي اتكأ عليها، وتداخل معها، في استمتاع متبادل لم يتوقف طيلة مدة العرض.
العمل الذي كتبه المؤلف فهد الحارثي يقوم على فكرة بسيطة لكنها معقدة في ذات الوقت، لأنها تقتحم يوميات إنسان عادي من هذا الزمان، وتمضي معه في أوهامه وأحلامه وتجليات أفكاره ومحنته الوجودية، وتلك العلاقة المتبادلة والمأزومة مع الآخر، إنسان يعري نفسه أمام الجميع ، ويبوح بأوجاعه التي لا تتوقف ولا تنتهي، وذلك الصراع المرير اليومي مع حياة رائعة وقاسية..
واستطاع مخرج العمل الفنان السعودي عبدالعزيز العسيري عبر هذه الحالات الانسانية المتداخلة أن ينجح في رهانه على لعبة السهل الممتنع، التي أتاحها المؤلف للمخرج والتقطها ممثل جيد هو الفنان سامي الزهراني بطل العرض الذي أكد بأدائه أنه من الممثلين الشبان القادرين على تحقيق حضور لافت إن توفرت له الظروف.
انفتاح ثقافي
سعت هذه الدورة إلى الانفتاح على دول أميركا اللاتينية والهند وقد شكلت لجنة فنية متخصصة لاختيار العروض والتنسيق مع إداراتها في سياق إجراء بعض التعديلات البسيطة والتي لا تخل بالقيمة الفنية والإبداعية للعمل ، ولا يمس بالأعراف والمعتقدات والتقاليد.