التسامح والتعايش بحب وسلام صفتان متأصلتان في مجتمع الإمارات، هما ليستا وليدتي اليوم، بل هما في إرث وتراث وتاريخ الإمارات منذ مئات السنين، وهما سياستان كرّسهما باني هذه الدولة، رحمه الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وله من المواقف ما لا يمكن إحصاؤها، جميعها تؤكد على انتهاجه نهج التسامح والتعايش، وحب الجميع دون تمييز أو تفرقة.
قبل إنشاء الإمارات وزارة خاصة للتسامح بسنوات طويلة، تم وضع تسع قطع لنصب تذكاري أمام ديوان ولي عهد دبي، كثيرون منا لم يكونوا يعرفون معناها، وكثيرون لم يحاولوا الربط بين هذه المنحوتات التسع المنفصلة عن بعضها، إلى أن كشفت وزيرة الدولة للتسامح سر هذه المجسمات، حيث قالت الشيخة لبنى القاسمي، إن من يدقق ويربط بين هذه المنحوتات سيكتشف أنها تشكل مجتمعة كلمة «تسامح» باللغة الإنجليزية (tolerance)، وهي إحدى ثماني نسخ صنعها فنان فرنسي ووزعها على عواصم ثماني دول، أبوظبي إحداها، دليل على إيمانها وتطبيقها لمبدأ التسامح اجتماعياً وسياسياً.
التسامح والتعايش مع الآخر أحد أهم أسباب الأمن والأمان والاستقرار في الإمارات، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، واستمرار ترسيخ هذا المفهوم لدى الأجيال المقبلة ضرورة كبرى، خصوصاً في ظل ظهور تيارات وأفكار وتوجهات دينية وحزبية مقلقة في كثير من الدول المحيطة، وهي دون شك لها تداعيات وتأثير في شبابنا، لذلك هناك مسؤوليتان ضخمتان تقعان على عاتق الجميع: الأولى هي حماية الشباب وغيرهم من التأثر بتلك الأفكار، والثانية هي زرع التسامح وحب الآخر والتعايش مع جميع البشر على أساس أنهم بشر قبل أي شي آخر.
غالبية أهل الإمارات متسامحون طيبون لا يتدخلون في معتقدات الآخرين، ويعيشون بسلام مع جميع الجنسيات في الدولة وخارجها، أينما حلّوا، ولكن لا ننكر ظهور فئات متأثرة ببعض الأفكار المتشددة، التي تبغض وتكره الآخر، بل تحرض على نشر الحقد والكراهية تجاه كل من هو مختلف فكرياً أو دينياً، هذه فئات موجودة للأسف، وتحاول الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها بيئة خصبة لنشر الأفكار لأعداد كثيرة وبسرعة كبيرة جداً.
التصدي لهم مسؤولية الجميع، ولكن مع وجود وزارة للتسامح فالمطلوب أيضاً تدخلها لتشكل حائط صد وردع جديداً ينسّق ويتعاون مع بقية الجهات والمؤسسات المعنية الموجودة لقلع هذه الأفكار من جذورها، فوجودها خطر حقيقي على المجتمع وجميع من يعيش فيه!
وزارة التسامح أعدت خططاً عديدة واستراتيجية مستقبلية متميزة، استخدمت فيها جميع السبل والوسائل العلمية لتكريس مفهوم التسامح في المجتمع، أتوقع لها نجاحاً كبيراً وتأثيراً قوياً، لكن هذا لا يمنع أيضاً متابعة المجتمع، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ للتدخل الفوري وبحزم ضد كل من يحاول إشعال الفتن والمشكلات، وضد كل من يحرض ويهدد ويتوعد، وكل من يحاول دس فكر متطرف متشدد يخالف توجهات وسياسة الدولة، فالحزم جزء مكمل للتوعية، فهناك من يتعظ بكلمة، وهناك من لا ينفع معه نصح ولا توعية!
الامارات اليوم