السيرة العطرة لسيد البشر صلى الله عليه وسلم لها شأن عظيم، ونبأ كريم، لأنها تتحدث عن أفضل خلق الله، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وختم به النبيين والمرسلين، وأنزل عليه كتابه المعجز الكريم، ورفع ذكره في العالمين، وشرح صدره، ووضع وزره، وأعطاه الشفاعة العظمى، والمقام الأسنى، ومحا به الجهالة، وأزال به الغواية، وبعثه معلما بالقلم، ورفع شأن أمته بين الأمم، فجعلها خير أمة أخرجت للناس.. فكلما سمعتَ شيئا من خبر سيرته ازددت غبطة به أَن كان حظك من الأنبياء، كما أنك حظه من الأمم، وازددت تعزيرا له وتوقيرا لذاته، ومحبة لجنابه، وتأسيا بحاله ومقاله، وعلمتَ أن صاحبها أكمل البشر خلقا، وأعظمهم خُلُقا وأكملهم عقلا وأزكاهم فعلا..
سيرة كانت معية الله تعالى ترعاها أُرومةً ونبعة ونشأة وبعثة وحياة وموتا، قال الحق عن صاحبها صلى الله عليه وسلم: {فَإِنكَ بِأَعْيُنِنَا} أي في الرعاية والعناية والنصرة والتأييد، فمن يكن بعين الله تعالى تكن سيرته طيبة الخبر والأثر، ومليئة بالعظات والعبر، مهما قرأها البشر، فإن لهم بها عظةً ومزدجرا، ويشتاق لرؤية صاحبها العقل والنظر، لا تمل من سماعها الآذان، ولا يفتر من تردادها اللسان، سيرة كلها سعادة، ما سمعها العقلاء إلا طلبوا منها الزيادة.
هذه السيرة التي هي سنة تقتفى، تستنبط منها الأحكام، ويزداد بها الإيمان، ويُنال بها أكثر الأجر؛ لما فيها من ذكر الله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترسيخ معاني الوفاء والولاء والمحبة لجنابه الأعظم ومقامه الأفخم، فيتحقق بها الإيمان رسوخا وكمالا كما أخبر بذلك بصحيح الخبر.
ولا يتوقف ذكر هذه السيرة على ربيع الأول، ذكرى مولده الشريف، بل يقرؤها الكبار والصغار آناء الليل وأطراف النهار، فقد كان السلف من الصحابة فمن بعدهم يُعلمون سيرته صلى الله عليه وسلم ومغازيه وسراياه كما يُعلمون السورة من القرآن كما قال علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه.
إنما قد يكون لذكرى مولده مناسبةٌ لإشاعة هذه الذكرى؛ لأن للتأريخ أثرا في تجدد الذكر والشكر والحمد على النعمة، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع أخيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى، وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أولى بموسى منكم»، ثم أمر بصومه، وكما كان يجدد الشكر بذكرى الأيام العظيمة، فقد سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت – أو أنزل- علي فيه».
فيتجدد شكر الله تعالى من المسلمين بتجدد ذكرى ولادة الرحمة المهداة والنعمة المسداة، البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ لأنه كان أحرص على نفعهم من أنفسهم، كما قال عنه ربه سبحانه:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
– عن الامارات اليوم