محمد عيسى
عبثاً حاولت وزارة البيئة طمأنة المجتمع بأن سفينة الحوت الأبيض القابعة منذ أكثر من ثمانية أشهر لم ولن تشكل خطراً على الحياة البحرية والأسماك التي نتناولها وتدخل أسواقنا يومياً، وأن كميات الديزل الكبيرة البالغة 450 طناً لن تتسرب إلى مياه الخليج العربي، وأن كل شيء تحت السيطرة، رغم المحاولات العديدة الفاشلة التي قامت بها الشركات المختصة لانتشال السفينة القابعة بقاع البحر قبالة شواطئ أم القيوين منذ أكثر من ثمانية أشهر، فكل تلك التطمينات والتصريحات ذهبت أدراج الرياح وبدّدتها الحقيقة المرة التي فوجئ بها المعنيون والمسؤولون بعد محاولة انتشال الحوت الأبيض الأخيرة والتي تكللت بالنجاح، بأن السفينة قد أفرغت حمولتها كاملة بقاع البحر، وأن كل خزاناتها باتت اليوم فارغة تماماً من أي مواد بترولية أو ديزل، كما صرح قبطان السفينة بعد غرقها وانتشاله وزملائه عبر مركب صيد بعد يوم من غرق السفينة.
في الحقيقة لا أرى أي مفاجئ في أن عملية انتشال السفينة من قاع البحر بعد ثمانية أشهر تخللتها العديد من محاولات الانتشال الفاشلة التي ساهمت بالتأكيد في تفريغ الحمولة، فطبيعة هذه السفن وهي من نوع “التك” باللغة المحلية أو الدارجة، لا تكون فيها الخزانات مؤمنة بشكل كاف لمنع أي تسرب أو تفريغ الشحنة، خاصة إذا ما ظلت في قاع البحر لمثل هذه المدة الطويلة التي كانت كفيلة بتسرب الديزل، إضافة إلى أضرار بيئية أخرى جراء مكوث السفينة بالقاع كل تلك الفترة، نتيجة صدأ وتحلل الكثير من المواد الضارة بالبيئة البحرية، وبالتالي لم تحمل معلومة خلو السفينة من حمولتها أي نوع من المفاجأة أو الصدمة.
كان يفترض بالجهات المعنية والمسؤولين عن حماية الحياة البحرية والبيئة بالدولة والجهات ذات الاختصاص أن تدرك من البداية صعوبة، بل استحالة انتشال سفينة بحمولة 450 طناً من الديزل من عمق البحر، وأن محاولاتهم لن يكتب لها النجاح، وأن الوقت ليس في صالحهم، وكل يوم يمر يشكل تهديداً وخطراً على الحياة البحرية والمياه البحرية للدولة والحياة البحرية بكل مكوناتها، وأن إهدار مزيد من الوقت يعني خطورة وحظوظاً أكبر لتسرب تلك الكميات الكبيرة من الديزل، خاصة مع الأحوال البحرية والمضطربة خلال فترة غرق السفينة في شهر نوفمبر الماضي، وما أعقبه من أشهر هي أكثر المواسم رياحاً وأمواجاً بحرية بالدولة، فتلك فترة دخول فصل الشتاء، فكان التفكير بانتشال السفينة وحمولتها ضرباً من المستحيل، وعليه كان يفترض بالمعنيين البحث عن الحلول مبكراً لمنع حدوث الكارثة البحرية التي اكتشفنا وقوعها بعد انتشال السفينة فارغة، وكان عليهم البحث عن طريقة لسحب الديزل أولاً، لمنع الكارثة البيئية البحرية ومن ثم انتشال السفينة الذي سيكون أسهل بعد ذلك.
لكن ذلك لم يحدث ووقعنا في المحظور، فهل نتعلم من أخطائنا وتجاربنا؟!
– الاتحاد