سامي الريامي
في اللقاء الأول الذي جمعنا مع معالي وزيرة السعادة عهود الرومي، بعد أشهر قليلة من توليها هذا المنصب الجديد، قالت: «كثيرون يتساءلون عن كيفية إسعاد المواطنين، وأنا أقول لهم السعادة ليست في منح الموظفين إجازة، ولا في إبقاء الطلبة في المنازل بعيداً عن المدرسة، إنها سعادة جزئية مؤقتة، لكنها على المدى البعيد لا تمت للسعادة بصلة»!
بالتأكيد كلامها صحيح، وبالتأكيد لا توجد علاقة بين السعادة والتغيّب عن العمل، لكن على ما يبدو أن هذه الفكرة لم تصل بشكل جيد إلى كثيرين، وللأسف عندما نلاحظ وجودها في جهات رسمية، وتنظم بقانون رسمي، ويمنح أيضاً لقب «السعادة» على القرار الرسمي، فإن المشكلة تكون أكبر، المشكلة ليست في إعطاء الموظفين فرصة للخروج من العمل، لكن المشكلة في زرع الفكرة في ذهن الموظفين، وجعل «الاستئذان» من العمل هو قمة السعادة!
هذا ما حدث في هيئة الصحة بدبي، حيث نشرت الهيئة خبراً مفاده أنها «تكافئ» موظفيها المتميزين بـ«ساعات السعادة»، ولاشك في أن العنوان جميل ومحفّز، لكن تفاصيل الخبر تحمل في كل مفردة وكلمة صدمة حقيقية لمن يقرؤها بتمعن، فالخبر يبدأ بكلمة «استحدثت» الهيئة فكرة «ساعات السعادة»، وهي «مبادرة مبتكرة» ضمن سلسلة «الحوافز» التي توفرها الهيئة لموظفيها، وتركز مضمونها على السماح للموظفين بالاستئذان قبل موعد انتهاء الدوام الرسمي بثلاث ساعات!
ويأتي التوضيح في الفقرة التالية، أغرب بكثير من فكرة ربط الخروج قبل انتهاء الدوام بالسعادة، حيث تشير الهيئة إلى أن هذه الساعات تأتي «وفق معيار تميز الموظف، وإبداعه في عمله، وإظهار حرصه في أداء مسؤولياته على الوجه المطلوب»، ترى كيف يمكن تفسير معنى الإبداع والحرص في أداء المسؤولية ضمن فكرة السماح له بالخروج مبكراً من عمله، وقبل انتهاء الدوام الرسمي بثلاث ساعات؟!
ويستمر الخبر في توضيح القرار بشكل غريب جداً، حيث يبرر هذه «الفكرة المبتكرة» بأنها تأتي في إطار «تشجيع الموظفين على استثمار خبراتهم وتسخير كفاءاتهم في خدمة المتعاملين، والعمل على تحقيق رضاهم وإسعادهم في مواقع الهيئة بالكامل»، والأغرب من ذلك أيضاً أن الرئيس المباشر من حقه الموافقة على هذه الساعات للموظف مرة واحدة فقط شهرياً، كما يحق له منح الاستئذان لجميع الموظفين التابعين له، من دون أن يخلّ ذلك بنظام العمل، أو يؤثر سلباً في خدمات الهيئة، هل يعقل ذلك؟ وهل يمكن أن يخرج جميع الموظفين دون أن يختلّ نظام العمل؟ وكيف يمكن الربط بين خروج الموظف من دوامه مبكراً، وتسخير خبرته في خدمة المتعاملين؟! إنه تعميم أشبه بالكلمات المتقاطعة التي لا يربطها ببعض سوى الأحرف!
لسنا ضد منح الموظف ساعات استئذان، بل إن هذه الساعات موجودة ومنصوص عليها بالقانون، ومعروفة لدى جميع الدوائر المحلية، فهي أساساً ليست «فكرة مبتكرة»، والابتكار هُنا جاء فقط بربطها بالسعادة، لكنه للأسف لم يكن ابتكاراً إيجابياً بقدر ما يحمل في طياته كثيراً من السلبية، ويعكس عدم وضوح فكرة إسعاد الموظفين، فالسعادة في الخروج من الدوام قبل انتهاء ساعات العمل، قد تفرح الموظف الخامل، وليس المميز، كما أنها سعادة مؤقتة، كما قالت عهود الرومي، لكن السعادة الحقيقية للموظف المتميز هي في زيادة إنتاجيته، وخدمة مراجعيه، وحصوله على شهادة تقدير على تميزه من إدارته، وهي هُنا أهم بكثير من خروجه مبكراً من دوامه!
الامارات اليوم